المشاركات

مضيعةُ وقت

 كنتُ قد أنهيتُ شرب قهوتي و هَمَمتُ بالخروج ، حين دخَلَت بعباءتها الفيروزية المطرزة بالخرزات اللامعة،  وضعَت نظارتها الشمسية على الطاولة،  و طلبت ما طلبت من النادل،  بدت لي فتاةً عشرينية مدللة،  عَدَلتُ عن الخروج و أنا أراها تضع ساقًا على ساق، و تؤرجحُها للأمام و الخلف بينما تتفحص عيناها اللوحة الزيتية على الحائط المقابل لطاولتها،  أسندتُ ظهري على ظهر مقعدي و أنا أحاول التظاهر بانتظار شخصٍ ما،  في حين أن عينَيَّ كانت تتقاسَمُ النظَرات بين شاشة هاتفي، و الفتاة العشرينية، وضعتُ السماعات على أذني كَي لا أبدو كَمَن يتلصص عليها،  أنزَلَت ساقها و انحنت بتأنٍّ على حقيبة يدها التي وضعتها بجانب قدمها،  أخرجت كتابًا و شَرَعَت في القراءة،  لم تنتبه للنادل و هو يضعُ كوب القهوة الحارَّة أمامها،  تذكرتُ كتابي الذي بدأتُ بقراءته قبل أيام، لم أحضره اليوم ، ليس لأني نسيته، و إنما أردتُ أن أكون اليوم خفيفًا من كل شيء حتى من أفكاري،  نظرتُ إلى اللوحة الزيتية، و الموسيقى تُطرِبُ سَمعي.. كنتُ قد قررت اليوم أن أتفرّغَ لمضيعة الوقت دون شعورٍ ضئيل بال...

خلفَ جدارِ رَحِمِها

هذه القصة إهداء إلى مولودي القادم..  ها أنا بدأت أكبر بينما ألتصق برحم أمي، أستطيع الآن أن أسمع الأصوات بالخارج ، لا أعلم من هم عائلتي، و لكني من بين كل الأشياء الغريبة في الخارج عرفت أمي، أحب صوتها ، إنه يجعل الدم يتدفق في جسدي ليدغدغني بدفئه ، و يجعلني أكبر أكثر و أصبح أقوى، و لمساتها.. ماذا أقول عنها؟ إنها الحياة ذاتها، أدفع بقوتي الضئيلة جسدي النحيل لأَدورَ داخل هذا المحيط الصغير فتنتبه لوجودي، لتمسح بيديها علي من الخارج ، كم أحببتُ هذا فَـكَررتُه مرارًا . اليوم، كان مختلفًا ، لم أسمع صوت أمي ، و لم أشعر بدفئها ، ربما هي نائمة، غفوتُ قليلا على جدار رحمها منتظرًا أن توقظني بترنيمتها العذبة، استيقظتُ فجأة على صراخٍ و بكاء: " تعبت ، تعبت ، لا أريده، خلصني منه ، لا أريده " إنها أمي، إنها تتألم ، من هذا الذي يزعجها؟ كانت هناك همهمات أخرى لا أعيها ، عادت أمي للصراخ ثانية " لا أحتمل كل هذه الأعباء مع وجود طفلٍ في أحشائي" ثم استسلمت للبكاء ، و أنا ، بقيتُ ساكنًا أرتعش في مكاني! أمي لا تريدني ، لا ترغب برؤيتي ، و لكني أحبها ، أحبها جدًا، و ...

حين التقينا

صورة

صمـت

صورة
..

لَــهـفَــة

    كان على يقين أنها ستأتي ، انتظرها بشغف، تُحبُه .. بالتأكيد هي كذلك ، حسنًا .. إن لم يكن كذلك ، فهي تُكِنُ له المودة بِسخاء، بدأَ يرسم سيناريو وصولها: حين تصل .. سيتظاهر أنه لم ينتبه لوجودها، سيتشاغلُ بأي شيءٍ عنها، يريد أن يرى اللهفة في عينيها.   طالت لحظات انتظاره، ربما ازدحام الطريق يؤخرها، لا بأس.. هو غير مشغولٍ الآن، سينتظرُ بعد..   و حين سينظر إلى عينيها ، سيُخفي كل اشتياقه ، سيوهمها كيف أنه لم يُـبالِ كثيرًا بقرارها في التوقف عن ملاحقته و الكتابة له، " ههههه" .. ضحك بكبرياء، سيُريها شموخَهُ بها أو بدونها، نظَر إلى ساعته، مَرت أكثر من ساعتين و هو يحيكُ هذا السيناريو، يُضيفُ عليه ، أو يشطِبُ منه، قام من كرسيه يَتَلَفت، " لعلها لم تعرف المكان، أو ربما لم تَرَني ، غير معقولٍ أنها تكابرو لن تأتي لرؤيتي، إنها أضعفُ من أن تُفَوتَ علينا فرصة اللقاء" و لكنها .. مع ذلك.. لم تظهر حتى تلك اللحظة، عاد ليجلس على كرسيه مُحبَطًا، تداركَ مشاعِرَه ، لم يكُن هنالكَ ملهوفٌ غيرُه ، و لم يكن هنالك مكابرٌ غيره ، حين أبدت اهتمامها به ،تَشامخَ عليها ففقدها.       .

بثــورٌ شقية

  نظَرت إلى وجهها في المرآة وجنتها اليُسرى لم تتخلص بعدُ من الحبوب الدهنية التي ظهرت منذ أشهر و صمدت حتى الآن ، تلمست وجنتها ، " حتى هذه البثور غاضبة مني لأني لم أخبرك عنها ، وإلا لكانت اختفت منذ زمن، كل شيء أمتلكه يُحِبُ أن أُحدثك عنه" توقفت عن التفكير بُرهة.. "أشيائي لا تدركُ بعدُ ما حصل..إنها كالأطفال." لبِست عباءتها و خرجت . أصبحت تُحب الخروج كثيرا، شعرت برغبةٍ مُلِحة في تناول قطعةٍ من الكعك، هنالك شيءٌ بداخلها لا يُطفؤه إلا الحلوى ، اتجهت بسيارتها لأقرب مخبز لتشتري صحنًا صغيراً به قطعتي كعك، " تبدو مُغرية و لذيذة " حَدثت نفسها و هي تصعد السيارة، أغلقت الباب لتدخل عالمها الخاص، شغلت مُشغل mp3 ، و بدأت بتناول قطعة الكعك الأولى، خُيّـلَ إليها أنه يود مشاركتها، ابتسمت له.. " و أنت أيضًا يا عزيزي، لا يجب أن تُفسِدَ عليَ طُقوسَ خَلوتي مع قطعة كعكٍ و مشغل mp3 " طارت بلا أجنحة مع الشيلات التي تستمع لها و القطعة اللذيذة في فمها، كم تُحبُ هذا التحليق ، بعيدًا عن كل الضوضاء الخارجية، و ضجتها الداخلية. لمحت البدر في السماء، ما أجم...

"الله لا يفرق بينا"

  دائما ظننت أن كوني "صبيا" يمنحني امتيازات لا تُمنح لأخواتي الثلاث، حتى حين انفصل والِـدَيَ، كنت أظن أن "ذكورتي" هي من أعطتني صلاحية البقاء مع أبي دون أخواتي.   و رغم ابتعادي عن والدتي و أخواتي، إلا أني كنت أعتز بنفسي، فأنا الابن الوحيد الذي سيحتفظ به والدي مهما كانت خلافاته مع أمي.   غير أن شدته معي و صرامته، كانا يبعثران اعتزازي، لم أكن أدرك لمَ يحتفظ بي في حين أنه لا يستطيع احتمالي معه.   جئته ذات نهار أطلب منه زيارة أمي و شقيقاتي.. كاد أن يفترسني، فلزمتُ الصمت، حتى عمتي – زوجة أبي – لم تكن عونًا لي، إلا أنها كانت أرحم بي منه.   ظللتُ مع أبي شهور عديدة دون أن أرى أمي أو أُحادثها عبر الهاتف، كنت أشعر بالخمول.. أو هو الشوق و الحنين لوالدتي، فإذا بأبي يدخل للبيت يجُـرُ دراجتين هوائيتين..   تهلل وجهي ..   أسرعت إليه لأنتقي من بين الدراجتين، فَــنَهَرَني: "ليست لك ..إنها لأَخَوَيك"   أخَـوَي من عمتي.. كان لهما الحق في امتلاك دراجة هوائية لأنهما صغيران، بينما كان عليَ أن أراقبهما و أهتم بهما لأني كما يقول أبي كبرت على هذه الألعاب، فبلوغ الثامنة يعني...