مضيعةُ وقت
كنتُ قد أنهيتُ شرب قهوتي و هَمَمتُ بالخروج ، حين دخَلَت بعباءتها الفيروزية المطرزة بالخرزات اللامعة،
وضعَت نظارتها الشمسية على الطاولة،
و طلبت ما طلبت من النادل،
بدت لي فتاةً عشرينية مدللة،
عَدَلتُ عن الخروج و أنا أراها تضع ساقًا على ساق، و تؤرجحُها للأمام و الخلف بينما تتفحص عيناها اللوحة الزيتية على الحائط المقابل لطاولتها،
أسندتُ ظهري على ظهر مقعدي و أنا أحاول التظاهر بانتظار شخصٍ ما،
في حين أن عينَيَّ كانت تتقاسَمُ النظَرات بين شاشة هاتفي، و الفتاة العشرينية،
وضعتُ السماعات على أذني كَي لا أبدو كَمَن يتلصص عليها،
أنزَلَت ساقها و انحنت بتأنٍّ على حقيبة يدها التي وضعتها بجانب قدمها،
أخرجت كتابًا و شَرَعَت في القراءة،
لم تنتبه للنادل و هو يضعُ كوب القهوة الحارَّة أمامها،
تذكرتُ كتابي الذي بدأتُ بقراءته قبل أيام، لم أحضره اليوم ، ليس لأني نسيته،
و إنما أردتُ أن أكون اليوم خفيفًا من كل شيء حتى من أفكاري،
نظرتُ إلى اللوحة الزيتية، و الموسيقى تُطرِبُ سَمعي..
كنتُ قد قررت اليوم أن أتفرّغَ لمضيعة الوقت دون شعورٍ ضئيل بالتأنيب،
و ها أنا ذا بدأت من كوب القهوة إلى التَّمَلي بالنظر إلى فتاة لا أعرفها،
انتبهت إليها..
تتناول منديلاً ورقيًا و تمسح به أنفها!
"تبكين؟" حدثتُ نفسي..
ماذا تقرأ هذه الصغيرة لتبكي؟
بَدَا لي غلاف الكتاب أنه إحدى روايات بثينة العيسى
كدتُ أقوم إليها لأربت على كتفها و أهدئ سرها "يا أميرة.. إنها مجرد رواية.. قهوتك بردت"
حاولت أن أتشاغل بهاتفي و ابتسامة على شفتي،
لو أنكِ جلستي معي على نفس الطاولة لحولت دموعك هذه إلى ابتسامات و ضحكات، و لكننا لا يمكن أن نكون على نفس الطاولة مع شخص لا نعرفه، أو هكذا نظن!
رفعت بصري إليها،
لقد بدأت تبتسم بينما ما زالت آثار الحزن عليها،
يبدو أن العيسى أرادت أن تطمئن هذه الصغيرة ببعض السرور،
وضَعَت كتابها جانبًا و تناولت كوب القهوة
مطت شفتيها بانزعاج
"بردَت كَـ كُل مرة" تمتمت بصوت مسموع،
فانفلتت ضِحكةٌ مني من غير قصد،
التقت عيوننا،
فظننت أنها سترميني بكتابها،
إلا أنها ابتسمت و قامت،
لملمت حاجاتها، دفعت فاتورة قهوتها الباردة و خرجت..
أغمضت عيني و أنا أسند رأسي للخلف..
هل ستأتين غدًا؟
سأكون هنا في مثل هذا الوقت،
سأضع هاتفي في وضع الطيران كما فعلتُ اليوم، حتى لا يزعجني مديري!
و سأطلب لكِ قهوة حارة كيفما تحبين،
لن أسمح لكِ بالقراءة،
لتشربي قهوتك حارة كما تشتهين،
و سأخبرك عن جنون الأمس في مراقبة فتاة لا أعرفها، و عن أمور كثيرة أخرى ستجعلك تبتسمين لي ثانية و ربما تضحكين..
هل ستأتين غدًا؟
احببتها خفيفة على القلب
ردحذفشاكرة مروركم الكريم
حذفراقت لي حروفكِ، هي إحدى حكايات الحياة اليومية العابرة ..
ردحذفسرني حضوركم هنا
حذفأسلوبكِ مشوق واندمجتُ لدرجة وعشت الجو أنني تلك الفتاة 😅 و أحببت مرارة القهوة من شدة برودتها
ردحذفهههههه.. سعيدة بمشاعرك
حذف