خلفَ جدارِ رَحِمِها



هذه القصة إهداء إلى مولودي القادم.. 


ها أنا بدأت أكبر بينما ألتصق برحم أمي،
أستطيع الآن أن أسمع الأصوات بالخارج ،
لا أعلم من هم عائلتي، و لكني من بين كل الأشياء الغريبة في الخارج عرفت أمي،
أحب صوتها ، إنه يجعل الدم يتدفق في جسدي ليدغدغني بدفئه ، و يجعلني أكبر أكثر و أصبح أقوى،
و لمساتها.. ماذا أقول عنها؟ إنها الحياة ذاتها، أدفع بقوتي الضئيلة جسدي النحيل لأَدورَ داخل هذا المحيط الصغير فتنتبه لوجودي، لتمسح بيديها علي من الخارج ، كم أحببتُ هذا فَـكَررتُه مرارًا .
اليوم، كان مختلفًا ، لم أسمع صوت أمي ، و لم أشعر بدفئها ، ربما هي نائمة،
غفوتُ قليلا على جدار رحمها منتظرًا أن توقظني بترنيمتها العذبة،
استيقظتُ فجأة على صراخٍ و بكاء: " تعبت ، تعبت ، لا أريده، خلصني منه ، لا أريده "
إنها أمي، إنها تتألم ، من هذا الذي يزعجها؟
كانت هناك همهمات أخرى لا أعيها ، عادت أمي للصراخ ثانية " لا أحتمل كل هذه الأعباء مع وجود طفلٍ في أحشائي"
ثم استسلمت للبكاء ، و أنا ، بقيتُ ساكنًا أرتعش في مكاني!
أمي لا تريدني ، لا ترغب برؤيتي ، و لكني أحبها ، أحبها جدًا، و متلهف لأعرفها أكثر،
شعرت بالوهن، و رغبةٍ بالانكماش إلى أن أختفي تمامًا،
إلا أنني لا أعرف كيف أفعل ذلك،
أمي.. علميني كيف لي أن أختفي؟
نمتُ طويلاً ، طويلاً جدًا ،
لم أسمع شيئًا، و ما عدتُ أشعر بالدفء، برودةٌ مخيفةٌ تسري في جسدي،
ربما يكون هذا هو الانكماش، ستسعدُ أمي بذلك، سأستمر بالانكماش،
و في أوج انكماشي ، شيءٌ ما بدا غير عادي، يحاول أن يوقِفَ لحظات اختفائي!
دفءٌ يتخللني!
أمي.. أَ هذه أنتِ؟!
دعيني أُتِمُ ما بدأتُ يا أمي.
" انبض أيها القلب الصغير.. إنني هنا"
ثم.. تمسح علي بحنانِ يديها: " لحظة غضبٍ غبيةٍ مني ستتركني لأجلها؟!"
تبكي: "انبض يا صغيري إنني أحتاجك"
أمي.. كلماتك تحييني، كيف لي أن لا أنبض بعدها؟ دفعتُ بجسدي الصغير جدار رحمها لأقول لها:
" ماما .. لا تبكي .. أنا قادم".
انتهت

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مضيعةُ وقت