سامي .. فلتكن نصيبي

كان يوما ككل يوم ..
كانت كل أموري تسير بشكل طبيعي و روتيني ،
كنت أراجع دروسي بالغرفة مع أختي التي تصغرني بعامين ..
و أسرح بخيالاتي - كعادتي - في أمور كثيرة ،
أمور الدراسة و اختباراتي التي أقبلت علي سريعا دون أن أشعر ،
وأمور صديقاتي و تعليقاتهن السخيفة التي تدور حولنا وأساتذتنا
حتى الشبان الذين معنا في الفصل لم يسلموا من تهامسهن
المتضاحك ..

-منيرة .. تعالي يا ابنتي .. هذا عمك يريد أن يراك و أختك.فزعت من نداء أمي ، كنت غارقة في أفكاري ، فقمت مسرعة نحوها و أنا أَلـُـفُ غطاء رأسي سريعا ،
و إذا بي أرى عمي و ابنه معه !
تراجعت خطوات للوراء و استدرت لأغطي كامل رأسي ، ثم تقدمت بخطوات خجلى لأسلم على عمي و أقبل رأسه ، وألقيت التحية على ابن عمي و أنا أشعر بأن كل دماءجسدي قد تجمعت في وجهي فأصبحت كطماطم حان قطافها – كما تقول صديقاتي - .جاءت أختي " هدى" من بعدي لتسلم على عمي و ابنه ،
و اضطررناإلى أن نجلس معهم في المجلس حتى انتهاء الزيارة ، فعمي الذي يسكن بالعاصمة كان يأتي لزيارتنا مرتين أو ثلاث في كل عام بحسب ظروفه، و كان لا يحب إلا أن يبقى أطول فترة مع بنات أخيه المتوفى ..
نحن لا نعرف عن عائلته سواه ، ونعلم أن له ابنا وحيدا و الكل يشيد بجمال أخلاقه ،
كانت هذه المرة الأولى التي أرى ابنه فيها ، و بالرغم من أنها لم تكن سوى لمحات سريعة ألمحه فيها – و أنا أحادث عمي- إلا أني استطعت أن ألمح مقدار وسامته .
انتهت الزيارة ودخلنا أنا و أختي لغرفتنا لإكمال مراجعة دروسنا ،
و ما أشد ما سرحت في طيفه بعد أن رأيته ،
خرجت أختي من الغرفة لحاجة ، فقمت أنا لأنظر إلى وجهي بالمرآة فإذا بوجنتي لا تزال حمراوين ،
و ابتسامتي الخجولة تراودني كلما لاحت صورته بخيالي ..

قمت بفك غطاء رأسي و لفه سريعا لأرى كيف كان شكلي حين رآني أول مرة ..
تأملت وجهي ثم ابتسمت ، ترى .. هل أسرت لـُبـه ؟
ظللت أتأمل وجهي و أنا في عالم آخر، حتى عادت أختي فعدت إلى كتبي و كأن شيئا لم يكن ،
-منيرة .. ما رأيك به ؟ أظنها المرة الأولى التي ترينه فيها .
-نعم ، هي المرة الأولى .
-
إنه لطيف جدا .. حين صادفناه أنا و أمي في بيت جدي ذلك اليوم ،
أخذ يتبادل أطراف الحديث مع أمي و حين هممنا بالخروج عرض علينا أن يقلنا بسيارته إلى المنزل ،
إلا أن أمي رفضت وشكرته ..

كنا سنجرب سيارته اللكزس الفخمة .
-معه لكزس ؟
-نعم .. كل شيء مميز فيه .. ههههه ، لو سمعت أمي حديثنا هذا لوبختنا .
-هههه ، اسكتي إذن.
حتى اسمه مختلف .. " سامي " ، أو ربما ظننته هكذا لفرط إعجابي به،
أبناء العاصمة يُسمَون بأسماء جميلة ، و نحن .. "منيرة" و"هدى" .. يا للفرق !!


منذ تلك الزيارة و " سامي " يتردد على منزلنا سواء مع عمي أو وحيدا..
حينها أخذت الأفكار تدور برأسي،
إنه يرغب بالقرب .. و أنا طبعا في الواجهة .. فأنا الأخت الكبرى ،
و لم يبقَ لي سوى هذه السنة و أنهي دراستي بالكلية ..

لعله أُعجـِب بي ذلك اليوم ..
ابتسمتُ و أنا أسترجع أحداث لقائي الأول به ،
و بدأت بعض مشاعر الثقة والطمأنينة إلى مستقبلي تكبر في داخلي ،
فإن كان "سامي" هو نصيبي ، فأنا سأكون أسعد النساء
هو وسيم بما يكفي لأمشي بجانبه متفاخرة ،
طويل كما تمنيت .. فبدوت أمامه كطفلة صغيرة ،
وظيفته .. سمعت من "هدى" أنه مهندس ، لا أعلم في أي مجال و لكن يكفي أن يكون مسماه الوظيفي مهندس ،
و أخلاقه .. سامية كاسمه "سامي" ..
يااااه !! .. كما قالت "هدى" : مميز في كل شيء!



كنت حين أختلي بكتبي و أبدأ بخربشاتي أجد أناملي تكتب اسمه من دون وعي ..و حين أعود إلى الوعي أمسح خربشاتي تلك لئلا يراها أحد ،
و إذا سمعت اسمه ، يرفرف قلبي طربا .. و تتراقص الأمنيات في مخيلتي ..
بدأت أهتم بمظهري أكثر مما مضى ،
أخذت بعض مقادير الخلطات من صديقاتي للعناية ببشرتي ،
و بعض خلطاتٍ لشعري ..
حتى أن أمي و أختي لاحظتا التغير الذي أعيشه ، و كأن أحدا وعدني وعدًا و لن يخلفه ..


ولكن ..
مضت أشهر عديدة ، و عمي لم يتكلم بشيء ، و لا حتى "سامي" لمح لوالدتي عني بشيء..
فبدأ القلق يراودني ..
حتى جاءتني أمي ذات يوم لتفجعني بفرحٍ لم يخطر ببالي ..
-منيرة .. الزواج قسمة و نصيب ، و لا يعني أن تتأخر البنت في زواجها بأن عيبًا يشوبها ، و لكنه الرزق يا بنيتي .
-أمي .. ما الأمر؟ .. من تكلم عن الزواج الآن؟
حاولت أمي أن تختار ألفاظها بعناية .. و أنا لا أعلم لم كانت تتلعثمأمامي هكذا :
-أختك "هدى" .. لستِ أقل عنهاجمالًا و لا أخلاقًا ..و لكنه النصيب يا..
-انخطبت ؟ّ!
قلتُها و قد اختلطت مشاعري ببعضها ،
-نعم يا منيرة
-من ؟
-"سامي" ، ابن عمك .
انكتمت أنفاسي ، لم أعلم بم يجب أن أرد ، وأي ملامح يجب أن تظهر على وجهي ،
شعرت بأن دموعا تسمرت في مقلتي و أنا أنظر لأمي وأحاول بلع ريقي بألم ..
-أختك رفضت أن يتم شيء من هذا الآن ، حتى تتزوجي
أنتِ..

-تذكرت أمرًا يا أمي وعلي إنجازه ، سنكمل في وقت لاحق .
خرجت من عند أمي و أنا لا أرجو أن نكمل حديثنا هذا ، وبحثت عن مكان لأختبئ فيه بعيدا عنها و عن "هدى" ،
ظننت أني سأبكي ، و لكني لم أفعل ،

لم أستطع تصديق ما سمعته ، شعرت بأني في حلم مزعج ،
أفكاري متوقفة وسارحة في اللا شيء ،
و مشاعري .. لا أعلم ما دهاها !! .. أشعر بسكون موحش يلف روحي ،
بقيت مختبئة حوالي الساعة دون أن أذرف دمعي .. دون أن ينتفض قلبي للخبر ..
لماذا؟ .. لا أعلم ، ما أعلمه فقط أنه لا يجوز لي بعد الآن أن أهذي بـ"سامي".

عدت إلى الداخل ، لأتحاشى أمي و أختي الصغرى التي ستتزوج قبلي ممن حلمتُ أنا به ..
لم نتكلم في الموضوع .. وقد راقني ذلك ،
إلا أنه بعد انتهاء هذا اليوم الذي ظننت أنه لن ينتهي ..
دخلت إلى غرفتي و أوهمت أختي بأني نائمة .. بينما كنت أبكي وأتحسر على أحلامي اللذيذة التي عشتها بقرب"سامي" ..
بكيت طويلا .. بقدر ما كنت موقنة أن حلمي سيتحقق ..
بكيت .. حتى غلبني النعاس و نمت .


*****
في يوم زفافها - الذي رفضت هي أن يتم قبل زفافي ، ورفضت أنا أن لا يتم -
عانقتها دون أن أنطق ، و ذرفتُ دموعا كثيرة لأجلي ، و لأجل أختي التيلم تشأ أن تفرح قبلي..
و في ذلك اليوم أيضا ، همست لي أمي حبيبتي : " منيرة .. سيعوضك الله خيرا"
فأنعش دعاؤها في قلبي أملا كبيرا بأن فرحًا قريبًا يترقبني ..
سيبهج قلبي المكسور ..
فأعيش - عوضا عن هذا الألم - قصة حبٍ لم تحلم بها سابقاتي من الفتيات مع رجلٍ كما أتمنى و أكثر،

فقط أرجو أن لا يطول انتظاري له.


انتهت
 
 
تم النشر في المنتدى التربوي
بتاريخ 6/2/2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مضيعةُ وقت