ممرضتنا الجميلة
في المركز الصحي الذي أعمل فيه بدأت تنتشر قضية الممرضة الجديدة.. أوبالأحرى "الممرضة الجميلة"
كلما مررت بجماعة في المركز.. أسمع سيرتها،
الأطباء.. و الممرضات و حتى المرضى،
الكل كان يتحدث عنها،
و يصف روعة جمالها..
لم أعِر ما سمعته عنها أي أهمية.. كنت مشغولا بالكم الهائل الذي أمامي من الأعمال المكتبية..
و ذات يوم، بينما أنا منهمك بأوراقي سمعتُ عذوبة ً تنطق:
"السلام عليكم"
رفعتُ رأسي و إذا بها حورية لم أرَ مثلها، كانت ترتدي البياض
لم أجد نفسي إلا أَفِـزُ واقفًا أرد عليها السلام،
سمعتُ بعض ضحكاتٍ و همساتٍ من زملائي ، و لكني لم أبالِ بهم، كيف لا أقف إجلالاً لهذا الجمال و هذه النعومة..
خرجَـت من عندنا و أنا لا أزال واقفـًا
أخبروني بأنها هي الممرضة الجديدة
عندها فقط أدركتُ لماذا كانت و لا تزال حديث الساعة في المركز الصحي.
ترددت علينا مراتٍ عديدة في المكاتب لإنجاز بعض أعمالها ، كانت غاية ً في النشاط ،
و غاية ً في الأدب ، و غاية ً في اللطافة ، و غاية ً في الجمال طبعـًا..
و لست أدري كيف اجتمع كل هذا الجمال في امرأةٍ واحدة.
كانت بذرة إعجابي بها تكبر يومـًا بعد يوم
اتصلت بي مرة ً لحاجةٍ في العمل ، لا أعلم من أين حصلت على رقم هاتفي، ولم يكن يهمني أن أعلم ،
ما همني هو أن رقم هاتفها أصبح مخزنـًا في جهازي
احتفظتُ به ، و بقيتُ لياليَ عديدة أتأمله ، فأبتسمُ له، و أحادثه،
و تراودني نفسي أن أرسل إليها .. فأرُدُها،
و بعد فترةٍ طويلةٍ من التفكير قررت.
التقيتها اليوم التالي و بعد مقدماتٍ طويلة قلت لها:
أرغب في أن تقاسميني بقية حياتي.
ابتسمت دون أن تنطق، فتجرأتُ أن أُتابعَ قائلاً:
و لدي شرط..
فضَحِـكَـت على استحياءٍ و قالت:
ظننتُ أني أنا من يشترط في هكذا أمور.
قلت لها: شرط يخدمك و يخدمني، أريد أن تتركي وظيفتك هنا..
- أنتِ لا تعلمين ما يدور من ورائك، أنت محل أنظار الجميع هنا ، و ألسنتهم لا تتوقف عن الحديث عنك.
- أعلم بهذا كله، ولكني لا أبالي بهم.
- و لكني رجلٌ .. و أبالي.
- إذن فشرطك مرفوض، و من ثم فطلبك مرفوض.
و تركتني و ذهبت..
استوقفتها: "لحظة.. فكري في الأمر"
و لكنها لم تلتفت إلي.
مَنيتُ نفسي بأن تُراجِعَ نفسها و ترسل إلي بالموافقة ،
ولكن خاب ظني و يئستُ من عودتها.
حتى صادفتها في أحد الأيام في وضعٍ لا تحسد عليه،
رأيتها خلف مواقف سيارات المركز، وشاب حقير يحكم قبضته على رسغها
و يهمس إليها بخبث..
أسرعتُ إليهما ، وما إن رآني تركها ، فاتجهت هي سريعا إلى سيارتها والخوف يملؤها،
أما هو فلقنته ُ درسًا عنيفـًا في الأخلاق.
مضت أيام على هذا ، حتى تفاجأتُ برسالةٍ منها على هاتفي
لم تكتب فيها غير هذا:
"أما يزالُ طلبكَ قائمـًا؟ "
احترتُ .. فبعثتُ إليها: " أي طلبٍ تقصدين؟ "
- لا شيء.. انسَ الأمر.
عندها زالت حيرتي فأرسلتُ إليها: " نعم ، ما زال الطلب قائمـًا مع ثبوت الشرط "
- شرطك صعب.
- ألا تظنين بأن حياتك في المركز الصحي أصعب منه؟
- أنت لا تعلم العناء الذي مررت به حتى أنهيت دبلوم التمريض.
- أليس هنالك مجال للتضحية؟
- ضحيتُ كثيرا جدا لأحصل على هذه الوظيفة.
- كيف ذلك؟
- و إن أخبرتك، هل يسقط شرطك؟
- ربما..
عندها أرسلت إلي:
"اعذرني..أنا لن أستجدي عطفك.. انسَ الأمر وشكرا لوقتك."
أرسلت إليها : " آسف.. لم أقصد مافهمتِ "
لم ترد و كنت على يقين من أنها لن ترد ، عنيدة..
و أنا أشد منها عنادًا.. أعلم بأني مهما شرحَت لي من معاناة و تضحيات قدمَتها ، لن أقبل إلا أن تترك الوظيفة..
كان هذا آخر تواصلي معها،
و مذ ذاك بدأنا جفاءً لا ينتهي.
انتهى.
تم النشر في المنتدى التربوي بتاريخ
15/11/2014
تعليقات
إرسال تعليق